فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)}.
أخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {وإذا تولى سعى في الأرض} قال: عمل في الأرض {ويهلك الحرث} قال: نبات الأرض {والنسل} نسل كل شيء من الحيوان: الناس والدواب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد. أنه سئل عن قوله: {وإذا تولى سعى في الأرض} قال: يلي في الأرض فيعمل فيها بالعدوان والظلم، فيحبس الله بذلك القطر من السماء، فهلك بحبس القطر الحرث والنسل {والله لا يحب الفساد} ثم قرأ مجاهد {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} [الروم: 41] الآية.
وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: {ويهلك الحرث والنسل} قال: الحرث الزرع، والنسل نسل كل دابة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: النسل نسل كل دابة والناس أيضًا.
وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {الحرث والنسل} قال: النسل الطائر والدواب. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت الشاعر يقول:
كهولهم خير الكهول ونسلهم ** كنسل الملوك لا ثبور ولا تخزي

وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة قال: يتخفف المحرم إذا لم يجد نعلين. قيل أشقهما؟ قال: إن الله لا يحب الفساد.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)}.
أخرج وكيع وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: إن من أكبر الذنب عند الله أن يقول الرجل لأخيه: اتق الله. فيقول: عليك بنفسك، أنت تأمرني؟!.
وأخرج ابن المنذر والبيهقي في الشعب عن سفيان قال: قال رجل لمالك بن مغول: اتق الله فقط، فوضع خده على الأرض تواضعًا لله.
وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن. أن رجلًا قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: اتق الله، فذهب الرجل فقال عمر: وما فينا خير إن لم يقل لنا، وما فيهم خير إن لم يقولوها لنا.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولبئس المهاد} قال: بئس ما مهدوا لأنفسهم.
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [207].
أخرج ابن مردويه عن صهيب قال لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت لي قريش: يا صهيب قدمت إلينا ولا مال لك، وتخرج أنت ومالك والله لا يكون ذلك أبدًا، فقلت لهم: أرأيتم إن دفعت لكم مالي تخلون عني؟ قالوا: نعم. فدفعت إليهم مالي فخلوا عني، فخرجت حتى قدمت المدينة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ربح البيع صهيب مرتين».
وأخرج ابن سعد والحرث بن أبي أسامة في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال: «أقبل صهيب مهاجرًا نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فاتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته ثم قال: يا معشر قريش قد علمتم إني من أرماكم رجلًا، وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي فيه شيء، ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي. قالوا: نعم. فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال: ربح البيع، ربح البيع». ونزلت {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد}.
وأخرج الطبراني وابن عساكر عن ابن جريج في قوله: {ومن الناس من يشري نفسه} قال: نزلت في صهيب بن سنان وأبي ذر.
وأخرج ابن جرير والطبراني عن عكرمة في قوله: {ومن الناس من يشري نفسه} الآية. قال «نزلت في صهيب بن سنان، وأبي ذر الغفاري، وجندب بن السكن أحد أهل أبي ذر، أما أبو ذر فانفلت منهم، فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رجع مهاجرًا عرضوا له وكانوا بمر الظهران، فانفلت أيضًا حتى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، وأما صهيب فأخذه أهله فافتدى منهم بماله، ثم خرج مهاجرًا فأدركه قنفذ بن عمير بن جدعان، فخرج ممَّا بقي من ماله وخلى سبيله».
وأخرج الطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن صهيب قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هممت بالخروج، فصدني فتيان من قريش ثم خرجت، فلحقني منهم أناس بعد ما سرت ليردوني، فقلت لهم: هل لكم أن أعطيكم أواقي من ذهب وتخلوا سبيلي؟ ففعلوا. فقلت: احفروا تحت أسكفة الباب فإن تحتها الأواقي، وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء قبل أن يتحوّل منها، فلما رآني قال: يا أبا يحيى ربح البيع، ثم تلا هذه الآية.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {ومن الناس من يشري نفسه} الآية. قال: هم المهاجرون والأنصار.
وأخرج وكيع والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن المغيرة بن شعبة قال: كنا في غزاة فتقدم رجل فقاتل حتى قتل، فقالوا: ألقى بيده إلى التهلكة. فكتب فيه إلى عمر، فكتب عمر: ليس كما قالوا، هو من الذين قال الله فيهم {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن سيرين قال: حمل هشام بن عامر على الصف حتى خرقه، فقالوا: ألقى بيده. فقال أبو هريرة {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله}.
وأخرج البيهقي في سننه عن مدركة بن عوف الأحمسي. أنه كان جالسًا عند عمر فذكروا رجلًا شرى نفسه يوم نهاوند، فقال: ذاك خالي زعم الناس أنه ألقى بنفسه إلى التهلكة. فقال عمر: كذب أولئك، بل هو من الذين اشتروا الآخرة بالدنيا.
وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} قال: نزلت صهيب، وفي نفر من أصحابه، أخذهم أهل مكة فعذبوهم ليردوهم إلى الشرك بالله منهم: عمار، وأمية، وسمية، وأبو ياسر، وبلال، وخباب، وعباس مولى حويطب بن عبد العزى.
وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن صهيب أن المشركين لما أطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلوا على الغار وأدبروا قال: واصهيباه ولا صهيب لي. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج بعث أبا بكر مرتين أو ثلاثًا إلى صهيب، فوجده يصلي فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم: وجدته يصلي، فكرهت أن أقطع عليه صلاته. فقال: أصبت وخرجا من ليلتهما، فلما أصبح خرج حتى أتى أم رومان زوجة أبي بكر، فقالت: ألا أراك هاهنا وقد خرج أخواك ووضعا لك شيئًا من زادهما؟ قال صهيب: فخرجت حتى دخلت على زوجتي أم عمرو، فأخذت سيفي وجعبتي وقوسي حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأجده وأبا بكر جالسين، فلما رآني أبو بكر قام إلي فبشرني بالآية التي نزلت فيّ، وأخذ بيدي فلمته بعض اللائمة، فاعتذر وربحني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ربح البيع أبا يحيى».
وأخرج ابن أبي خيثمة وابن عساكر عن مصعب بن عبد الله قال «هرب صهيب من الروم ومعه مال كثير، فنزل بمكة فعاقد عبد الله بن جدعان وحالفه، وإنما أخذت الروم صهيبًا بن رضوى، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لحقه صهيب، فقالت له قريش: لا تلحقه بأهلك ومالك فدفع إليهم ماله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ربح البيع. وأنزل الله في أمره {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} وأخوه مالك بن سنان».
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كنت قاعدًا عند عمر إذ جاءه كتاب: أن أهل الكوفة قد قرأ منهم القرآن كذا وكذا فكبر، فقلت: اختلفوا. قال: من أي شيء عرفت؟ قال: قرأت {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} الآيتين فإذا فعلوا ذلك لم يصبر صاحب القرآن، ثم قرأت {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإِثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} [البقرة: 206] {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} قال: صدقت والذي نفسي بيده.
وأخرج الحاكم عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: بينما ابن عباس مع عمر وهو آخذ بيده فقال عمر: أرى القرآن قد ظهر في الناس؟ قلت: ما أحب ذلك يا أمير المؤمنين. قال: لم؟ قلت: لأنهم متى يقرأوا ينفروا، ومتى نفروا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يضرب بعضهم رقاب بعض. فقال عمر: إن كنت لأكتمها الناس.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أن ابن عباس قرأ هذه الآية عند عمر بن الخطاب فقال: اقتتل الرجلان فقال له عمر: ماذا؟ قال: يا أمير المؤمنين أرى هاهنا من إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالإِثم، وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإِثم قال هذا: وأنا أشري نفسي فقاتله، فاقتتل الرجلان فقال عمر: لله درك يا ابن عباس!
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة. أن عمر بن الخطاب كان تلا هذه الآية: {ومن الناس من يعجبك قوله} إلى قوله: {ومن الناس من يشري نفسه} قال: اقتتل الرجلان.
وأخرج وكيع وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن أبي حاتم والخطيب عن علي بن أبي طالب. أنه قرأ هذه الآية فقال: اقتتلا ورب الكعبة.
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن صالح أبي خليل قال: سمع عمر إنسانًا يقرأ هذه الآية: {وإذا قيل له اتق الله} إلى قوله: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} فاسترجع فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، قام الرجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقتل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن قال: أنزلت هذه الآية في المسلم الذي لقي كافرًا فقال له: قل لا إله إلا الله، فإذا قلتها عصمت مني دمك ومالك إلا بحقهما، فأبى أن يقولها، فقال المسلم: والله لأشرين نفسي لله فتقدم، فقاتل حتى قتل. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)}.
قوله تعالى: {مَنْ يَشْرِي} في مَنْ الوجهانِ المتقدِّمان في مَن الأُولَى، ومعنى يَشْرى: يَبيعُ؛ قال تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20]، إِنْ أَعَدْنَا الضميرَ المرفوعَ على الآخِرة، وقال مجزوء الكامل:
وَشَرَيْتُ بُرْدًا لَيْتَنِي ** مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هَامَهْ

قال القُرْطبيُّ: بُرْدٌ هنا اسم غلامٍ.
فالمعنى: يَبُذُل نفسَه في اللَّهِ، وقيل: بل هو على أصلِهِ من الشِّراء.
قوله: {ابتغاءَ} منصوبٌ على أنه مفعولٌ مِنْ أجله، والشروطُ المقتضيةُ للنصب موجودةٌ، والصَّحِيحُ أنَّ إضافَة المفعولِ له مَحْضَةٌ، خلافًا للجرْمِي، والمُبْرِّد، والرِّيَاشي، وجماعةٍ مِنَ المتأخِّرينَ.
و{مَرْضَاةً} مصدرٌ منيٌّ على تَاءِ التأنيثِ كَمَدْعَاة، والقياسُ تجريدُهُ عنها؛ نحو: مَغْزى، ومَرْمى.
قال القُرطبِيُّ: والمَرْضَاةُ، الرِّضَا، تقولُ: رَضِيَ يَرْضى رِضًا وَمَرْضَاة ووقَفَ حمزةُ عليها بالتاءِ، وذلك لِوَجْهَين:
أحدهما: أَنَّ بعضَ العربِ يقِفُ على تاء التأنيثِ بالتاءِ قال القائل في ذلك: الرجز:
دَارٌ لسَلْمَى بَعْدَ حَوْلٍ قَدْ عَفَتْ ** بَلْ جَوْزِ تَيْهَاءَ كَظَهْرِ الجَحَفتْ

وقد حكى هذه اللُّغة عن سيبويه.
والثاني: أَنْ يكونَ وَقَفَ على نِيَّة الإِضَافة، كأَنَّه نوى لفظَ المضافِ إليه؛ لشدةِ اتِّصال المُتَضَايفيْنِ، فأَقَرَّ التاءَ على حالِها؛ مَنْبَهَةً على ذلك، وهذا كما أَشمُّوا الحرفَ المضْمُوم؛ ليُعْلِمُوا أنَّ الضَّمَّة كالمنطوق بها، وقَدْ أَمالَ الكِسَائيُّ ووَرْشٌ {مَرْضَات}.
وفي قوله: {بِالْعِبَادِ} خُرُوجٌ من ضميرِ الغَيْبَةِ إِلَى الاسْم الظَّاهِرِ؛ إذ كان الأَصْلُ رَؤوفٌ بِهِ أَوْ بِهِمْ وفائدةُ هذا الخُروجِ أنَّ لفظَ العِبَادِ يُؤْذِنُ بالتشرِيف، أو لأنه فاصلةٌ فاختير لذلك. اهـ.